خلال تظاهرات إسقاط النظام الطائفي في لبنان العام 2011، والتي شكّلت امتدادًا عفويًا متأثرًا بثورات «الشعب يريد إسقاط النظام» العربية، قمنا كمجموعة صغيرة من المنظمين والمنظمات بترويج شعار «كلّن يعني كلّن»، للتصدّي لمحاولات تنزيه واستثناء الأمين العام لحزب الله من بين رموز النظام الطائفي الذي كانت التظاهرات تنادي بإسقاطه.
كان الشعار الذي تناقله المئات مثيراً للجدل في ذلك الوقت، وخلق ردودًا ونقاشات حادّة بين مؤيّد ومعارض ومتخوّف. شعار أطلقته مجموعة صغيرة من الناشطين المتحمّسين ليتحدى حاجز الخوف والرهبة بالنظر للهالة العظيمة التي كان يتمتع بها يومذاك الأمين العام لحزب الله، 5 سنوات فقط بعد حرب تموز.
غير أنّ شعار «كلن يعني كلن» سرعان ما فرض نفسه واكتسب قوة متعاظمة مع تطور الحراك الشعبي عبر عدة محطات، من حملة استرجاع البرلمان العام 2013 مرورًا بحراك النفايات الشهير وصولًا إلى انتفاضة 17 تشرين الكبيرة. فشكّل أداة أساسية بوجه أي محاولات تنزيه أو استثناء لأي من رموز النظام السياسي اللبناني وأحزابه من المسؤولية عن الأزمات المتراكمة والانهيار الاقتصادي الكبير الذي نعيشه اليوم.
على الرغم من أنّ شعار «كلن يعني كلن» قد ثبّت نفسه كأداة أساسية لمواجهة تسلّل قوى السلطة إلى الجبهة المناهضة للمنظومة السياسية المهيمنة والنظام السياسي الحاكم، فإنّه قد شكّل لاحقًا مادة سهلة للاستخدام الشعبوي، تحديدًا خلال الحملات الانتخابية في العام 2018 حيث ساد خطاب سياسي يختزل الأزمة اللبنانية بالفساد وسوء الإدارة.
جرى تقزيم شعار «كلن يعني كلن» من شعار يشمل جميع أقطاب النظام السياسي الحاكم بشكل يحمّلهم المسؤولية عن القرارات الاقتصادية والسياسات المالية وقرارات السلم والحرب والتحريض الطائفي وغيرها، ليتحوّل مادّةً سجالية حول مقدار انخراط الأشخاص بملفات أو شبهات فساد.
هذا التحوّل في شكل الشعار ومضمونه وطريقة استخدامه، أتاح لقوى شعبوية لا تحمل مشروعًا سياسيًا تغييريًا بأنّ تتسلّل إلى الجبهة المعارضة للنظام السياسي الحاكم من دون الحاجة إلى برامج أو أفكار سوى طرح شخصهم الكريم كبديل لسلطة فاسدة. كما أفسح المجال أمام قوى سياسية من المنظومة السياسية والاقتصادية الحاكمة، لا سيما تلك القوى التي ليست منخرطة بالفساد بشكل واضح ومباشر، بأن تتنصّل من عبارة «كلن يعني كلن».
نسمع اليوم شخصيات من قوى السلطة والمعارضة على حدّ سواء يتحدثون عن الانهيار وعن الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يعيشها البلد وكأنها جاءت من فساد أشخاص، وتستعر المناكفات وتقاذف الاتهامات بالمسؤولية، وكل ذلك على حساب التشخيص الحاسم والفعلي والحقيقي:
هناك أزمة بنيوية في النظام السياسي الطائفي التحاصصي، وكل شريك في هذا النظام وكل طرف سياسي مؤسّس له هو شريك في التأسيس لكل ما نعيشه اليوم.
من هنا، فإن جميع القوى السياسية التي شاركت في حكومات «الديمقراطية التوافقية» وكل القوى التي أعطت الثقة لهذه الحكومات وأقرت سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والمالية على مر السنين، هي شريكة في المسؤولية عن انهيار البلد.
جميع القوى السياسية التي ساهمت في تقسيم الناس طائفياً وجميع القوى التي شاركت في وضع الأولويات الطائفية والسياسية أمام حقوق الناس الاقتصادية-الاجتماعية هي شريكة في المسؤولية.
كلّ قائد في جهاز أمني وكل مصرف وكل محتكر هو شريك في المسؤولية، وكل مؤسسة دينية حمت موقعاً سياسياً طائفياً أو واجهت إقرار قوانين مدنية توحّد المجتمع، هي شريكة في المسؤولية عن كل ما نعيشه اليوم.
إن هذه المسؤولية الجماعية التي لا تقبل استثناء أو تنزيه أحد هي الروحية الأساسية لشعار «كلن يعني كلن» ويجب إعادة الاعتبار لهذا الشعار انطلاقًا من هذه الشمولية والجذرية في طرحه، بدلاً من تقزيمه ليصبح مقتصرًا على الفساد.