السجال حول شعار
يجادل بعض الأفراد والمجموعات المستقلة واليسارية الراديكالية في ثورية شعار «كلّن يعني كلّن»، معتبرين أنه قمة الطرح الثوري لأنه يصوّب على المنظومة بأكملها من دون استثناء.
هذا التصويب صحيح إلى حدٍّ بعيد لأنّ السبب في ما وصلنا إليه يقع على عاتق سياسات متكاملة، متناغمة مع بعضها بعضاً، يتحمّل مسؤوليّتها كلّ من تعاقب على السلطة، مَن حكم واتخذ القرارات، مَن شرّع وسهّل وغطّى كلّ ما جرى وكانت نتيجته هذا الانحلال والانهيار الذي نعيشه.
يرى آخرون، من التيارات ذاتها تقريبًا، أن شعار «كلّن يعني كلّن» تعميميّ لا يفيد قضية محدّدة، ولا يقسّم المسؤوليات وفق علاقات القوة السائدة.
هو اعتراض صحيح أيضًا في وجهته الخاصة. فعلى الرغم من ثورية الشعار، إلاّ أنّ استخدامه للتعميم يضيّع المسؤولية المباشرة لطرف محدّد. وهو تسطيح قامت به بعض الجهات المنتفضة، خصوصًا تلك التي تتقاطع مع بعض أطراف النظام بشكل فاقع، وعلى رأسه الموقف من حزب الله وسلاحه، وذلك هربًا من موقف واضح وصريح من تلك الأطراف. كما أنّ هذا التسطيح ينفي الحاجة إلى عمل مستمرّ لتحليل علاقات الهيمنة البنيوية داخل السستام نفسه، وداخل كل قضية بعينها.
ديالكتيك الشعار
يحكم الديالكتيك منطق هذا الشعار، ككلّ شيء آخر.
ما يبدو ثوريًا في لحظة، يمكن أن يكون رجعيًا في لحظة أخرى، والفارق بينهما يحدّده مشروع ورؤية سياسية واضحة. هذه الرؤية هي التي تستطيع التمييز بين أن تكون لحظة استخدام الشعار، بعموميته، ثوريةً أو رجعيّةً من النوع الذي يمكنه أن يخدم السستام.
هذا ما لم تقدر على التمييز بشأنه، أو تحديده، الكثير من المجموعات، إما لعطبٍ فيها، أو بسبب عدم بلورتها لرؤية سياسية، أو لعطب في قراءة الحدث منذ 17 تشرين حتى اللحظة. أضف إلى ذلك أنّ المجموعات تعلم أن شعار «كلّن يعني كلّن» هو بمثابة هوية سياسية لا يمكنها الالتفاف عليها، أو إسقاطها، او التغريد خارجها، وإلا سيكون لذلك أثر مدمّر عليها.
الكلام أعلاه يتطلب بالأساس استراتيجية، هدفًا، مشروعًا سياسيًا أولًا، وتكتيكًا نعتمده لنحقق هذا الهدف. وهذا التكتيك يستدعي تقاطعات لا تعني التحالف بالضرورة، بقدر ما تعني تلقّف اللحظة المناسبة ليبنى على الشيء مقتضاه، سواء في الانتخابات النقابية، وصولًا إلى الانتخابات النيابية، مع التمييز الضروري بين هذه الاستحقاقات.
الانتخابات النيابية بالذات هي نقطة عراك مع المنظومة يجب استغلالها لبثّ الخطاب التغييري، ولا يمكن خوضها وفق شعارات عامة فضفاضة تعطي قوى النظام أكثر ممّا تأخذ منها. فاستخدام مثل هذه الشعارات في هذه اللحظة بالذات، خطة غير ذكية، وقد يكون أثرها مدمّرًا.
تناقضات النظام وهيمنة حزب الله
إن كان لنا أن نحدّد استراتيجيةً تتناسق مع شعار «كلّن يعني كلّن»، ما علينا إلّا أن نحسم المسألة لنقول إنّ التغيير المنشود راديكالي، يطيح بالكلّ. لكن خلال عملية الإطاحة، علينا أن نستخدم تكتيكاً يقوم على التمييز بهدف القضم، وأن نستغل تفكّك جماعة السلطة. إذ لا يمكن، على سبيل المثال، مواجهة تيار رئيس الجمهورية كما نواجه تياراً سياسياً بالكاد يتمثّل بعدّة نواب، كما لا يمكن مواجهة المستقبل كما يواجَه كرامي، ولا المردة كما القوات... إلخ.
فوق هذه وتلك، لا يحوي أيّ نظام بداخله مجموعة متناغمة ومتناسبة من الأحزاب والعلاقات فيما بينها، ولا تكون أطراف النظام بأكملها على قدر واحد من المسؤولية. لذلك، لا يمكن النظر إلى حزب الله كغيره من القوى.
ولأنّ مطلق نظام هو نظام هيمنيّ يكون فيه القوي مسيطرًا على ضعيف مسيطَر عليه، وتكون الغلبة لمن يسيطر على المركز في دولة مركزية كالدولة اللبنانية، لا يمكن مساواة حزب الله بغيره، وهو قوة ضاربة أخذت على عاتقها حماية النظام.
لقد عايشنا في هذه الدولة الطائفية علاقات الهيمنة البنيوية تاريخيًا، أي حين يكون حزب طائفي هو نقطة تكثيف نظام البرجوازية الرجعية الفاسدة والناهبة، فيتحكّم بكل مفاصل اللعبة. فمن الكتائب، إلى المستقبل، وصولًا إلى حزب الله، هي حركة مستمرة من جدل الهيمنة والانهيار، ومن المواجهات، ومن تحميل المسؤوليات بشكل يتناسب مع علاقات القوة التي لا تسمح بأي تعميم أو تسطيح.