الجريمة
الضحية: محمد الحريري، مواطن سوري.
الجاني المُتّهم: علي مشيك، عنصر في فوج حرس بيروت. مجرّد تشابه أسماء مع ضحية انفجار مرفأ بيروت.
مكان وتاريخ الجريمة: محيط دوّار الأونيسكو، الجمعة 23 شباط 2024.
تفاصيل الجريمة: وثّق مقطع فيديو لكاميرا مراقبة إقدام مشيك على رفس درّاجة كان يستقلّها الحريري ما أدّى إلى سقوطه عنها ومقتله، وذلك بالتزامن مع حاجز نصبه حرس فوج بيروت في المنطقة. وادّعى العناصر أنّ الحريري، ومن كان برفقته، كانا يسيران عكس السير هرباً من الحاجز المخصّص لضبط مخالفات الدرّاجات النارية.
خلاصة الجريمة: مقتل الحريري وإصابة مرافقه على متن الدرّاجة، توقيف مشيك لدى القوى الأمنية، ومطالبة رسمية بإطلاق سراحه، مناشدة لدعم فوج حرس بيروت، حملة عنصريّة ضدّ السوريّين- لاجئين ومواطنين من شأنها طمس الجريمة ومنع محاسبة العنصر المتّهم بالقتل وتحميل «السوريّين» مسؤولية ما حصل على دوّار الأونيسكو وكل الأزمات المتلاحقة التي يعيشها ويتعايش معها اللبنانيون منذ أكثر من عقد.
تبرير عبود والتضامن مع القاتل
هو هربان وقِلِب ومات، والله يرحم اللي مات.
مروان عبود
تصدّر محافظ بيروت، مروان عبّود، مشهد تبرير الجريمة. في الساعات الأولى، سُئل عن الحادثة فقال:
الدرّاجة اصطدمت بدرّاجة أخرى أو شيء آخر. أخرج فوج الحرس تماماً من المشهد. انتشر فيديو ركل العنصر للدرّاجة، فسأل عبود: الذي يركل درّاجة مسرعة، هل يبقى واقفاً على رجليه أم يقع أرضاً؟ أجاب نفسه: بيقلب بالأرض. شكّك بالفيديو ومضمونه وبكل ما يظهر فيه.
وبعد ساعات أخرى، وبعد توالي بيانات سياسية داعمة لفوج الحرس، صعّد موقفه، فقال إنّ الضحية كان يسير بدرّاجة عكس السير. حوّل المخالفة المرورية إلى تبرير لقتل المخالف. ويوم الإثنين في 26 شباط 2024، استقبل عبّود في مكتبه وفداً متضامناً معه ومع البلدية والحرس البلدي. ومدعوماً بعشرات الأصوات، قال ما فينا كل ما رجل آمن قام بواجبه أن نهدّده بالسجن.
العنصرية تنقذ البلدية
نشدّد على وحدة بيروت بجميع مناطقها وأبنائها، ووحدة المحافظ والمجلس البلدي ودعمهم لفوج حرس مدينة بيروت
مروان عبود
على سذاجته، أطلق مروان عبّود هذه العبارة خلال الوقفة التضامنية ليؤكد على أمرَين: أولاً، أنّ الجهة الرسمية المعنية بالحادثة تقف صفاً واحداً في حماية المتّهم. وثانياً، أنّه لن يتم التعامل مع هذه الحادثة حسب الاعتبارات القانونية أو الإنسانية أو حتى الطائفية، لكون الضحية ليس لبنانياً. فجاءت الكلمة السحرية: السوري. الضحية سوري، المخالِف سوري، الخطر سوري، «أصل البلاء» سوري. مع العلم أنّ فوج حرس بيروت يخصّص حواجزه الطيّارة وغير المرئية لتوقيف الدرّاجات النارية التي يقودها مواطنون سوريون، وذلك تنفيذاً لطلب صادر عن وزير الداخلية بسّام المولوي لقمع مخالفات المواطنين السوريين الذي يقودون الدرّاجات بشكل مخالف للقانون.
لأوّل مرّة الشعب اللبناني بيتوحّد على موضوع واحد، وهو موضوع النزوح
مروان عبود
ساق حملة التضامن مع فوج حرس بيروت، جهة تحمل اسم «الحملة الوطنية لإعادة النازحين السوريّين». فبات المشهد أوضح. ومن مكتب المحافظ ومكان الوقفة التضامنية، تحوّلت جريمة مقتل محمد الحريري إلى مناسبة للدفاع عن المُتهم وتحميل اللاجئين والمواطنين السوريين في لبنان مسؤولية كل مشاهد البؤس والفوضى والعنف والانحلال الأمني التي يشهدها الشارع اللبناني.
UNdoTheDamage
لم يأتِ المخرج العنصري لمأزق البلدية من عدم. فمنذ أسابيع، عادت حملة الكراهية ضد اللاجئين لتتصاعد، بعد أن فقدت بعضًا من زخمها بعد حرب غزّة.
«UNdoTheDamage» عنوان حملة عنصرية ضدّ اللاجئين السوريين انطلقت في لبنان قبل أسابيع عبر لافتات إعلانية في شوارع بيروت تدعو إلى المعالجة الفورية لملف اللاجئين «قبل فوات الأوان». وتتطوّر الحملة عبر مقاطع فيديو تبثّ السموم والأكاذيب حول اللاجئين. فتركّب صور أطفال سوريين مصوّرة بتواريخ مختلفة ومن مناطق لجوء مختلفة، من تركيا والأردن وحلب وإدلب، وتفبرك منهم عائلة واحدة تعيش في لبنان ومكوّنة من 10 أفراد. من بين أفراد هذه الأسرة السورية اللاجئة المفبركة، جنين في بطن أمّه يحتار الأب في تسميته إمّا بشار أو أسماء، في إشارة إلى علاقتهما بالنظام وبالتالي لإسقاط صفة اللجوء عنهم.
وراء هذه الحملة وتمويلها 4 جهات:
«الهيئات الاقتصادية اللبنانية» و«غرفة الصناعة والتجارة والزراعة»، برئاسة الوزير السابق محمد شقير، اللتان تسعيان إلى مسح كل تبعات الانهيار الاقتصادي باللاجئين السوريين. «الهيئة» و«الغرفة» التي تعتاش من وجود العمالة السورية في لبنان واستغلالها اقتصادياً وبشرياً من دون أي تقديمات اجتماعية أو قوانين حماية للعمّال. أما الجهة الثالثة، فهي «بيت لبنان والعالم»، وهي جمعية تأسست في 2009 وترأسها بيتي هندي، وقد حوّلت اهتمامها من تعزيز الروابط والانتماء والعلاقات بين اللبنانيين المقيمين والمغتربين، إلى سوق الحملات ضدّ اللاجئين. أما الشريك الرابع في حملة التحريض، فهي محطة MTV، الراعي الإعلامي الرسمي لحملات التحريض على السوريّين في لبنان.
تطبيق للعنصرية
كل مواطن خفير… بلّغ
غسان حاصباني
أطلق نائب حزب القوات اللبنانية في بيروت، غسان حاصباني، في كانون الثاني الماضي، مبادرة تسعى إلى تحويل المواطنين إلى متعاونين مع «الجهات المعنية» عبر تطبيق «بلّغ»، والذي يسمح بتوثيق «مخالفات» المواطنين السوريين في العاصمة. هذه المخالفات التي يرصدها الخفير المدني، هي «الشبهة» حول سكن مكتظ أو أشخاص موجودين بشكل غير قانوني أو أي مشهد آخر «يشتبه» به المواطن الذي يشعر بالسوء من عامل أو لاجئ أو طفل سوري في شارعه.
وهنا برز طرف جديد يحمل اسم «الحملة الوطنية لمواجهة التوطين السوري»، والتي دعمت المبادرة. لم يأت هذا المشهد بشكل مستجدّ على الشارع اللبناني، إذ أنّ الحملات الشعبية والشعبوية والسياسية لقمع اللاجئين والمواطنين السوريين متواصلة منذ أشهر، عبر مشاريع قوانين مقدّمة من وزراء أو اقتراحات قوانين مقدّمة من نواب، لـ«ترحيل اللاجئين» و«منع دمجهم» ووضع خطط «العودة الطوعية» وتعميمات للمحافظين والسلطات المحليّة بوقف تلقّي الهبات الأممية المتعلّقة باللاجئين.
هل من يذكر أحمد الزعبي؟
نقلت الحملة العنصرية جريمة مقتل محمد الحريري إلى مستوى آخر من النقاش لطمس الجريمة ومنع المحاسبة. لكن هل من يذكر الطفل السوري أحمد الزعبي (14 عاماً)، ماسح الأحذية في «تلّة الخياط» الذي توفي بعد سقوطه داخل أحد الأبنية بسبب ملاحقته من قبل عناصر فوج حرس بيروت في كانون الثاني 2019؟ في هذه الحادثة لم تحدّد مسؤولية العناصر ولم تتمّ محاسبتهم وماتت القضية. يومها، برأت الجهات الرسمية نفسها أيضاً ببيان قالت فيه إنّ أحمد توفي في مكان «بعيد عن مكان تصوير المطاردة». وانتهى التبرير وقتها. وأقفِل الملف.
أحمد الزعبي، محمد الحريري، وغيرهما من ضحايا عنصرية نظام ليس لديه إلا الضعيف لتبرير فشله وعنفه وقرفه. قتلُهم رخيص وهناك العديد من الحملات والهيئات والجهات المستعدة لتبرير القتل، هذا إن لم تكن تطالب به ضمنيًا. فلنتذكر فقط أنّه قبل بدء الحرب في غزة بيوم واحد، حدث «إنزالً» من شباب الحي على منطقة الدورة بحثًا عن سوريين لقتلهم. انتهى مفعول صدمة الإبادة ليعود البعض إلى لعبتهم المفضلة، كراهية الضعيف لحماية مصالح الأقوياء.