من السهل الاعتقاد بأنَّ موضوع قوانين الأحوال الشخصية الطائفية في لبنان يرتبط فقط بالحضانة، وبأنَّ التمييز في هذه القوانين ضد النساء يقتصر على هذا المستوى المهم حصرًا! لكن الواقع مغاير، لأنّ هذه القوانين ومحاكمها تميّز بشكل واضح في مواضيع الزواج والطلاق وحضانة الأطفال.
مثلًا: هل تعلمون كم يصعب على النساء اللبنانيات ممّن تزوّجن تحت عباءة أحد المحاكم الدينية المختلفة إنهاء زواجهن بسبب الشروط التعجيزية؟ وفي حال تمّ الأمر فإنَّ القاضي قد يقوم بحرمانهنّ من الأطفال والنفقة كعقاب؟ وذلك بينما يتمتّع الرجل بمروحة واسعة من الخيارات تجعله قادرًا على إنهاء زواجه في دقائق وحتى من دون علم الزوجة.
مثال آخر: هل تعلمون أن قوانين الاحوال الشخصية الطائفية لا تعترف بأي مساهمة اقتصادية للنساء خلال فترة الزواج؟ سواءً كانت عبر الدعم المادي المباشر أو عبر العمل الرعائي غير مدفوع الأجر، وأنّ كافة الممتلكات عند إنهاء الزواج تعود للشخص المسجّلة باسمه، أي الزوج في أغلب الحالات؟
يتخطّى التمييز موضوع الطلاق والزواج والحضانة ليصل الى الحكم على النساء المطالبات بحقوقهنّ، ويضعهنّ في أغلب الأحيان في خانة «المتهمات»، «غير المؤهّلات»، «الناشزات» و«المشبوهات».
ولكن، لماذا إذًا وفي ظل هذا التمييز الواضح على كافة الأصعدة، يتمّ التركيز على موضوع الحضانة.
لأنَّ موضوع الحضانة هو الأساس. هو من يجعل المرأة حبيسة منزل زوجيّ تتعرّض فيه للعنف اليومي ولا تتجرأ على طلب الطلاق خوفًا من خسارة أطفالها.
موضوع الحضانة هو الأساس، لأنَّه يتعلّق بحق أساسي للنساء هو حق الأمومة، ولكنّ الأهم أنه حق ينسجم مع مصلحة الطفل الفضلى والتي دائمًا ما تحيّدها المحاكم الدينية عند إصدار أحكامها التمييزية ضد النساء، لصالح منظومة مجتمعية تأبى أن تنظر إلى النساء كمواطنات بل كملكية للرجل والعائلة وعليها أن تدفع الثمن في حال رفضها.
موضوع الحضانة هو الأساس، لأن المرأة- حتى حين تكون محظوظة بالحصول على حضانة أطفالها- قد يتم حرمانها منهم في حال قررت الزواج مجدداً، او في حال اختار طليقها ان «يحرق قلبها».
موضوع الحضانة هو الأساس، لأنَّ قرارات المحاكم في هذا السياق ما هي إلا عبارة عن أحكام تمييزية علنية، تستمدّ قوّتها وليس شرعيّتها من قوانين طائفية ورجال يحكمون باسم الدين ولهم سعرهم الخاص.
موضوع الحضانة هو الأساس، فبسبب مطالبة الأمّهات بهذا الحق داخل المحاكم الدينية، يتعرضنَّ لأبشع أنواع المضايقات والإذلال والترهيب العلنيّ. حتى أنّ بعض الرجال داخل هذه المحاكم يطلبون أجساد النساء مقابل تسهيل عمليات طلاقهنّ.
هل رأيتم/نّ منذ أسابيع المواطنة اللبنانية عبير خشّاب تبكي بحرقة أمام أبواب إحدى المحاكم الجعفرية؟ لأن أحد قضاة هذه المحكمة قرّر، بكل استنسابية، إعطاء الحضانة للزوج «الدبلوماسي» المدعوم سياسّياً، وحرمها من حق رؤية أطفالها. مثيلات عبير كثيرات، النساء المحرومات من أطفالهن كثيرات، وهنّ عابرات للطوائف، ولكن الحق يُقال: فإن قانون الأحوال الشخصيّة لدى الطائفة الشيعية وممارسات قضاة المحاكم الجعفرية تعتبر الأسوأ إلا في ما ندر.
يتلذّذ قضاة المحاكم الجعفرية في رؤية الأمّهات اللبنانيات يبكين أمام أبوابهم التي يرفضون فتحها لهنّ، بل على العكس يستدعون القوى الأمنية لمنعهن حتى من الدخول. ويفرح قضاة المحاكم الجعفرية– الا في ما ندر- عند إذلال الأمهات اللبنانيات وقمعهنّ وحرمانهنّ من حقوقهن. الأمثلة كثيرة… ولكنها تصبّ في اتجاهٍ واحدٍ مفاده أن هذا القمع لم ولن يولّد إلا ثورات حقوقية جديدة هدفها الأول والأساسي إنصاف النساء، إنصاف الأمّهات وإنصاف الأطفال.
أما بالنسبة لي، فيبقى مطلبي وغايتي والحلّ الوحيد الذي أؤمن به هو إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية في لبنان ينظر إلى النساء كمواطنات، لا يميّز ضدهنّ، ويحمي الأطفال والطفلات نفسيّا وجسديًّا... فكم من الأخبار التي نسمعها لطفلات مُنِعنَ من البقاء مع أمهاتهنّ، وغادرن الحياة غدراً. لن أذهب بالتاريخ بعيداً... تابعوا/ن قضية الطفلتين ترايسي، 7 سنوات، التي تعرّضت للاعتداء والضرب في منزل والدها، وشقيقتها انجلينا، 9 سنوات، التي توفيت في المنزل عينه.